اغتيال الهاشمي بين معادلات المنطقة وشرفات الضاحية

الدار البيضاء اليوم  -

اغتيال الهاشمي بين معادلات المنطقة وشرفات الضاحية

بقلم - على شندب

رغم أن اغتيال هشام الهاشمي لم يكن حدثا مفاجئا، فقد كان أشبه بالزلزال الذي أصاب العراق والمنطقة برمتها. فأسرار وتهديدات ما قبل الاغتيال وبعده كشفتها مراسلاته مع أصدقائه وزملائه المقربين.
فقد كشفت دراسات الهاشمي حول ميليشيات الحشد الشعبي وتشكيلاته وتكويناته وتدريباته ومصادر تمويله وهيكلياته القيادية العليا والوسطية، كشفت عن صراع بين ما بات يعرف بميليشات "الحشد الولائي"، أي الحشد الموالي لمرشد ايران علي خامنئي، و "الحشد المرجعي" أي الموالي لمرجع النجف علي السيستاني. وان القدم العليا في السيطرة والتحكم والقرار هي لميليشيات الحشد الولائي الذي يحاول بلع وقضم الحشد المرجعي.
الحشد الولائي، تلك الميليشيات التي تكوّنت نواتها الأولى في إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية ودخلت العراق مع دبابات الاحتلال الأميركي عام 2003، واستكمل بنيانها بعد سقوط بغداد الحرس الثوري الإيراني، لتأخذ وضعها الحالي بفعل لمسات ورعاية جنرال ايران القوي الذي قتلته القوات الأميركية قرب مطار بغداد قاسم سليماني وتتبع مباشرة لمرشد ايران خامنئي. 
الحشد المرجعي، تلك الميليشيات التي استند تأسيسها على فتوى السيستاني بعد تمدد تنظيم الدولة الإسلامية داعش في عدة محافظات عراقية، ثم تمأسست وفق قانون يخضعها نظريا لسلطة الحكومة.
إنها الميليشيات التي وضعها الهاشمي تحت مبضع التشريح التنظيمي والعقائدي والعلمي والعملي، فهي الميليشيات المتصلة والمتداخلة مع الدولة العراقية تمويلا ونفوذا وإدارة للسلطة والنفوذ من جهة، والمنفصلة عن الدولة تسليحا وقيادة وعمليات أمنية وعسكرية وصاروخية من جهة أخرى.
اغتيال الهاشمي أشبه بنصف اغتيال لرفيق الحريري دون رفاقه، وهو بدون شك نصف اغتيال فعلي لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، الذي سبق أن تلقى كما الهاشمي تهديدات بالقتل تهدف لدفعه الى تعديل سلوكه، والاقلاع عن تنفيذ خطته الأساس القائمة على حصر السلاح بيد الدولة.
إنّه السلاح الذي تمتلكه أذرعة ايران في العراق وغيره. وهو السلاح الذي يشكل حجر عثرة تحول دون قيام الدولة في كل مكان وجد فيه هذا السلاح. وهو السلاح الذي قال حسن نصرالله لمن يخيره بين الجوع والسلاح.. "لن نجوع وسيبقى سلاحنا بأيدينا، وبسلاحنا سنقتلك، سنقتلك، سنقتلك".
اذن، "سنقتلك" هي الشيفرة غير السرية التي أطلقها نصرالله ضد كل من يفكر بنزع السلاح، وهي الشيفرة التي سبق لنظراء نصرالله في العراق أن أشهروها بوجه الكاظمي عندما داهم "جهاز مكافحة الإرهاب" مقرا لكتائب حزب الله العراقي في بغداد.. وبقية القصة معروفة.
لكن اغتيال الهاشمي غاب عن خطاب نصرالله الثلاثاء الماضي، تماما كما غاب قانون قيصر حول سوريا، لكن دون أن يغيب العراق الذي حضر من باب توجهات نصرالله وتوجيهاته نحو الشرق لمقاومة حرب الجوع والافقار الذي تشنه الولايات المتحدة الأميركية.
ومن يتابع أحاديث نصرالله وخصوصا خطابه الأخير، يجد أن الرجل خصّص نحو نصف حديثه، الذي لم يعد فصل الخطاب، ليوضح ولبيئته الحزبلّاهية الضيقة التي أخذت تصاب ببعض الاضطرابات في فهم وتفسير كلامه غير المشفر. ما اضطر نصرالله الى الاسترسال في توضيح وشرح مقاصده من خطابه الذي سبق وتحديدا حول التوجه شرقا، ليردد عبارات غير مبهمة وفاقدة للسحر والابهار، أن التوجه شرقا لا يعني عدم التوجه غربا، وليعلن في تراجع محسوس عن الترحيب بأي تعاون أو مساعدة حتى ولو كانت من الشيطان الأكبر، فيما كانت بعض بيئته يتوقع منه إشهار سلاح مقاطعة البضائع والمنتجات الأميركية.
إنه الشيطان الذي أبرم معه نصرالله صفقة الافراج عن جزارالخيام عامر الفاخوري مقابل افراج الإدارة الاميركية عن رجل الاعمال قاسم تاج الدين والمتهم بتمويل حزب الله.
وهو الشيطان الذي خصّص نصرالله جزءا من حديثه للتعليق على سلوك السفيرة الأميركية في بيروت بكل لياقة واحترام ومطالبا إياها بضرورة احترام سيادة لبنان. وفي سياق التعليق على السفيرة الأميركية خصّ نصرالله بتقدير القاضي محمد مازح الذي سبق استقالته من القضاء أن أصدر قرارا يلزم وسائل الاعلام بعد استصراح السفيرة او نقل تصريحاتها.
لكن وللمفارقة البالغة، أن قناة المنار وغيرها من إعلام نصرالله رموا قبل غيرهم من الوسائل الاعلامية قرار القاضي مازح في سلة المهملات، وكانوا في مقدمة ناقلي تصريحات السفيرة الأميركية بعيد خروجها من اجتماع "طي الصفحة" مع وزير الخارجية اللبناني.
انها السفيرة الأميركية التي جالت رفقة قائد الأساطيل والبوارج الأميركية في المنطقة الجنرال ماكينزي على الرئاسات الثلاث. لكن اللقاء الأهم الذي عقده ماكينزي كان مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون الذي لم تعد وجبات جنوده تتضمن اللحوم بخلاف مقاتلي حزب الله.
انها الجولة التي مزجت بين القوة  الدبلوماسية الناعمة والقوة الحربية الخشنة، وهي الجولة التي لن يمر وقت طويل لفك حبكاتها غير الدبلوماسية.
زيارة ماكينزي لبيروت استقبلها حزب الله باعتصام قرب مطار بيروت شارك فيه بعض اليساريين، لكنه الاعتصام الذي لم يتمكن من اعتراض خروج الفاخوري من لبنان.
وفي مقاربة منزوعة السياق هدف منها زعيم حزب الله الى إحراج المدافعين عن "حرية الاعلام"، سأل نصرالله "ماذا عن السيادة، وهل ينفك الأمرين عن بعضهما البعض؟ التخلي عن السيادة هو عبودية". ربما فات نصرالله أن غالبية اللبنانيين يعتقدون أن السيادة استشهدت معه خلال غزواته الخارجية، التي تمت وتتم بدون موافقة الدولة اللبنانية او التنسيق معها او حتى بعلمها. إنها الغزوات الحزبلّاهيّة التي يعتقد أيضا غالبية اللبنانيين أنها السبب ما قبل الأول فيما يصيب لبنان من حصار وإفقار وجوع. إنه الجوع الذي تسبّب به أيضا تحالف ميليشيا المال والسلطة والسلاح الذي رعاه ويرعاه نصرالله بوصفه يؤمن مصلحة الحزب العليا. إنها المصلحة التي أبدعت انتاج معادلة "غطوا على سلاحنا نغطي على فسادكم"، والتي نفذت على الوجه الأكمل.
إنه الجوع الذي استفاق نصرالله لأجل مواجهته على ضرورة تفعيل الزراعة والصناعة، علما أن هاتين الوزارتين هما من حصته وشريكه في الثنائي نبيه بري، تماما كما حصة شريكه في "تفاهم مار مخايل" هي الطاقة؛ الطاقة التي استجلبت على لبنان بدل التيار الكهربائي الحر، الانهيار المالي والاقتصادي المر.
وهو الجوع الذي لأجل مواجهته أيضا دعا نصر الله اللبنانيين بوصفه يملك من فائض قوة السلاح الذي اغتيل بشقيقه هشام الهاشمي، ما يمكنه من مخاطبتهم وتوجيههم والطلب اليهم المباشرة منذ أمس ما قبل الأول بالزراعة وفي كل مكان.
ربما فات نصرالله أن يسأل نفسه، كيف تحول من راسم معادلات المنطقة الى زارع شرفات الضاحية.

*علي شندب محلّل سياسي لبناني

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اغتيال الهاشمي بين معادلات المنطقة وشرفات الضاحية اغتيال الهاشمي بين معادلات المنطقة وشرفات الضاحية



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 06:25 2018 الأحد ,29 إبريل / نيسان

أفكار متنوعة وراقية لديكور حفلات الزفاف

GMT 03:33 2018 الثلاثاء ,27 آذار/ مارس

الهاتف Huawei Y7 2018 يظهر في صورة رسمية مسربة

GMT 13:31 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

حسام عاشور على بُعد 3 خطوات مِن الأكثر تتويجًا في العالم

GMT 05:33 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

التحقيق مع مدير بنك اختلس 600 مليون سنتيم في الجديدة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca