فيروس «كورونا» وأهمية الاستثمار في القطاع الصحي!!

الدار البيضاء اليوم  -

فيروس «كورونا» وأهمية الاستثمار في القطاع الصحي

عقل أبو قرع
بقلم : عقل أبو قرع

أثبتت أحداث الأيام أو الأسابيع القليلة الأخيرة فيما يتعلق بتفشي فيروس "كورونا" وتبعات التعامل معه، مدى أهمية وجود قطاع صحي فاعل وقوي ومتماسك في كل بلد ضربه الفيروس، قطاع صحي يتعامل مع الأحداث من منطلق الوقاية وسبق الأحداث، وليس من خلال ردات الفعل الضعيفة، وقطاع يتصف بالخطط المدروسة والمتكاملة، من حيث التوعية والفحوصات لمنع التفشي وإعلان النتائج واتخاذ إجراءات الوقاية، وقطاع صحي يمتاز برعاية صحية أولية فاعلة من حيث التتبع وتوفير الاحتياجات والشفافية والوضوح في التوثيق والتواصل، ويمتاز بتماسك الرعاية الصحية من حيث توفر المختصين والأسرة في المستشفيات وغرف الطوارئ والأجهزة والمختبرات وما الى ذلك.

وبينت الأحداث أن الدول التي تملك نظاما صحيا كهذا، استطاعت ان تتعامل وبفعالية مع أزمة كورونا وربما مع غيرها من الأزمات القادمة، ومن الأمثلة على ذلك بلدان مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وربما ما حدث وما زال يحدث في دولة أوروبية مثل "إيطاليا" ورغم النظام الصحي القوي وذي الأسس المتينة الذي يشهد له الجميع، إلا ان غياب التواصل الفعال، والشفافية في توثيق الحدث، واتخاذ إجراءات الوقاية، وربما الاستهانة بما حدث هو الذي أوصل الوضع عندهم فيما يتعلق بـ"كورونا" الى الوضع المأساوي الحالي.

وفي بلادنا، فإننا ودون شك قد شهدنا ودون أي تحيز تقدما في جوانب صحية عديدة، سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالرعاية الصحية الأولية وفلسفة الصحة العامة، أو فيما يتعلق بتوفر العيادات المتخصصة والمستشفيات وعدد الأسرة ونوعية الكادر وكذلك غرف الطوارئ والأجهزة والمعدات والمختبرات المركزية، والتنسيق والتوثيق والعمل الجماعي وما الى ذلك، وهذا ربما انعكس وبشكل ما على موضوع التحكم بأزمة "كورونا" والسيطرة عليها حتى الآن، سواء من حيث توزيع المسؤوليات وأخذ العينات وإجراء الفحوصات والتعامل مع الناس والتحضير للخطوات القادمة، وهذا تم بفعالية، وباعتراف تقرير منظمة الصحة العالمية حول الوضع في فلسطين فيما يتعلق بفيروس "كورونا" ونتمنى أن يستمر الوضع على ما هو عليه الآن، ويتطور اكثر.

ومن الدروس التي ربما قد تعلمناها ولو مبكرا من أزمة "كورونا"، أنه من الواجب تواصل الزخم وتكاتف الدعوات من اجل الارتقاء بهذا القطاع، سواء فيما يتعلق بتدريب المختصين او إحضار الأجهزة او استخدام الخبرات، او فيما يتعلق ببناء او افتتاح مراكز صحية متخصصة، من اجل توفير الخدمة ذات الجودة المطلوبة للمواطن، حيث إن القطاع الصحي في بلادنا ما زال يحتاج الى المزيد من العمل ومن الاستثمار، سواء على الصعيد البشري، أي الكفاءات أو الأجهزة والمعدات أو والاهم على صعيد التعامل والتواصل وتوفير الطريقة الملائمة للمواطن، من أجل الوصول الى الخدمة الصحية دون عناء أو مشقة أو تكلفة زائدة أو اتباع الطرق الالتفافية التي لا يستطيع الجميع السير فيها.  
والقطاع الصحي في بلادنا، أسوة في العديد من الدول في العالم، والتي جل اهتمامها المواطن، من المفترض ان يحتل مستوى الأولويات الوطنية، وبالأخص على مستوى الميزانية الحكومية، سواء من حيث رصد الميزانيات المطلوبة، او من حيث إعداد وتدريب والاحتفاظ بالكفاءات المتخصصة او من حيث الحصول على افضل الأجهزة والمعدات، او من حيث فعالية الإدارة والمسؤولين، او من حيث طبيعة التعامل والاحترام مع المريض والمواطن، او حتى من حيث الكيفية او الطريقة التي يتم اتباعها للحصول على الخدمات، وعلى المعلومات المتعلقة بصحة المواطن، او من حيث الاهتمام بالرعاية الصحية بشكل عام، سواء أكانت الرعاية الأولية وهي الأساس، او الثنائية او الثلاثية، او من حيث التركيز على مفهوم الصحة العامة كمفهوم وقائي شامل للبلد وللمجتمع، أي العمل على الوقاية من المرض قبل حدوثه.
ومن ضمن مجالات الاستثمار في القطاع الصحي، والكفيلة ببناء ثقة المواطن فيما يتعلق بالقطاع الصحي، توفر الأدوية في عيادات الرعاية الأولية التابعة لوزارة الصحة، هذا الموضوع الذي ما زال يؤرق الناس، سواء من حيث توفرها، او من حيث تطبيق قرارات تخفيض أسعارها للحصول عليها من الخارج، وهذا يتطلب إعادة النظر في الآلية التي يتم من خلالها مراجعة أسعار الأدوية والاهم الآلية لتطبيق التغيير في الأسعار في الصيدلية. 
ومع التمكن من التعامل مع موضوع فيروس "كورونا" وبشكل ذاتي حتى الآن، أي دون الاعتماد على الآخرين، من حيث المتابعة وأخذ العينات وإجراء الفحوصات والتأكد من النتائج والتعامل مع المرضى حسب البروتوكولات العالمية فإن هذا من المفترض أن يشكل حافزا إيجابيا للتعامل مع الموضوع الأكثر تكلفة للقطاع الصحي، ألا وهو موضوع التحويلات الطبية، حيث إن هذا الموضوع ما زال موضوعا مقلقا، ومربكا، ومكلفا للقطاع الصحي، ويحتاج الى العناية والدراسة والمراجعة، وما زال هناك اعتقاد ان ذلك حكر على جهات او على أشخاص محددين، وبالتالي ما زالت هناك الحاجة الى الضبط، والى التوفير في هذه الفاتورة الأكثر تكلفة لميزانية وزارة الصحة، والى توخي العدل والإنصاف لمن يستحق، والى التوجه اكثر نحو زخم الاعتماد على الذات، من خلال الاستثمار اكثر وبشكل مستدام في إمكانيات وكفاءات وخدمات محلية.
ومع مواصلة أزمة فيروس "كورونا" بالتعمق في العديد من دول العالم، ومع الأثر الإيجابي والنتائج المقبولة التي تمت حتى الآن من خلال تعاملنا مع هذه الأزمة، فإننا من المفترض أن نواصل الاستثمار في القطاع الصحي وفي جوانب مختلفة، من حيث التركيز اكثر على التخطيط لاستراتيجيات بعيدة المدى، تعتمد مبدأ الوقاية والتوعية كأولوية للحفاظ على الصحة العامة، وتركز على التطور النوعي وليس الكمي وبشكل مستدام في الرعاية الصحية الأساسية، أي الرعاية الأولية من عيادات ومختبرات وفحوصات وتأمين صحي وتطعيم وتثقيف وتوفر الأدوية والمختصين، ويحتاج الى إرساء فلسفة وأسس نظام المتابعة والتقييم والمساءلة والتعلم بشكل ممنهج وموضوعي، وبالتالي تعود ثقة الناس الى هذا القطاع الذي هو من أهم القطاعات الكفيلة بإعادة بناء الثقة مع الحكومة والسلطة، والاهم أن يكون جاهزا للتعامل مع أزمات أخرى ربما تكون أكثر خطورة من أزمة "كورونا" الحالية. 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيروس «كورونا» وأهمية الاستثمار في القطاع الصحي فيروس «كورونا» وأهمية الاستثمار في القطاع الصحي



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 20:31 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

كومباني يعلن جاهزية مانشستر سيتي لمواجهة ليفربول

GMT 11:14 2018 الجمعة ,16 شباط / فبراير

تزيني بمجموعة مميزة من المجوهرات في عيد الحب

GMT 16:31 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

برانت دورتى ينضم لفيلم "Fifty Shades Of Grey"

GMT 01:15 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مميّزات جديدة في هاتف "iPhone X" الجديد من أبل

GMT 11:16 2014 الأربعاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة وفيتامينات لعلاج النهايات العصبية للجهاز العصبي

GMT 05:31 2016 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

علماء يتوصَلون لمعرفة مسارات طيور السنونو خلال رحلاتها

GMT 00:27 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مناقشة كتاب "أيام من حياتي" سيرة سعد الدين وهبة

GMT 23:31 2017 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

الريان يخرج حمد الله من "جحيم" الجيش القطري

GMT 05:04 2016 الخميس ,14 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية

GMT 22:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

لمسات مثيرة لرقبة زوجك قبل العلاقة الحميمة

GMT 22:18 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ يلتقي فورتونا دوسلدورف 13 كانون الثاني

GMT 04:59 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

هيونداي تطرح "نيكسو" تصدر الماء النقي في العادم

GMT 07:21 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

"الديكورات الكلاسيكية" تميز منزل تايلور سويفت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca