قراءة في نتائج مسح القوى العاملة للعام 2019

الدار البيضاء اليوم  -

قراءة في نتائج مسح القوى العاملة للعام 2019

سامر سلامة
بقلم : سامر سلامة

 أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة للربع الرابع للعام 2019 مستعرضاً عدداً من المؤشرات التي تتعلق بالقوى العاملة الفلسطينية. إننا نراقب هذه المؤشرات لما لها من أهمية كبيرة لقياس أداء الاقتصاد الفلسطيني ودراسة انعكاسات الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية عليه. بالإضافة الى قياس أثر السياسات الحكومية ونجاعتها على أداء الاقتصاد بشكل عام، وانعكاس تلك السياسات على قدرة الاقتصاد من توليد فرص عمل كافية للقادمين الجدد لسوق العمل. وبالتأكيد فان تحليل أداء الاقتصاد بحاجة للنظر الى مجموعة من المؤشرات الاقتصادية الأخرى على المستوى الكلي، مثل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وميزان التجارة الخارجية، ومعدل التضخم، وصافي الاحتياطي الدولي، وصافي تدفقات الاستثمار المحلي والدولي، ومعدل البطالة، وغيرها من المؤشرات، الا أنني سأركز هنا على مؤشرات سوق العمل انطلاقاً من نتائج المسح الأخير للعام 2019.

فبحسب الجهاز المركزي هناك فجوة كبيرة في المشاركة في القوى العاملة بين الذكور والإناث في سوق العمل الفلسطيني، اذ حوالي 7 من كل 10 ذكور هم مشاركون في القوى العاملة مقابل حوالي 2 من كل 10 إناث، وقد بلغت نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة 19% في قطاع غزة مقابل 17% فقط في الضفة الغربية. ولايزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغت في قطاع غزة 43%، مقابل 14% في الضفة الغربية، وفي المجمل فقد وصل معدل البطالة الى 24%. أما على مستوى الجنس فقد بلغ 21% للذكور مقابل 38% للإناث. وبالمقارنة مع الربع الأول من العام 2018 فان معدل البطالة في الضفة الغربية انخفض من 18% الى 14% في الربع الرابع من العام 2019 بينما استقرت النسبة في غزة عند 43%.

وبحسب المسح أيضاً فإن قطاع الخدمات بما يشمل التعليم والصحة يعتبر الأكثر استيعاباً للعاملين في السوق المحلي، حيث بلغت نسبة العاملين فيه أكثر من الثلث في الضفة الغربية مقابل أكثر من النصف في قطاع غزة. أما بالنسبة للعاملين داخل الخط الأخضر وفي المستعمرات فقد انخفض بحوالي 6 آلاف عامل مع بقاء اجمالي العاملين في الداخل والمستعمرات مرتفعاً نسبياً ليصل الى 135 ألف عامل وعاملة، يعمل معظمهم أي 65% في قطاع البناء. أما العاملون حسب الحالة العملية فإن 71% من العاملين هم من المستخدمين بأجر مقابل 25% يعملون لحسابهم الخاص وأرباب عمل، و4% يعملون بدون أجر كأعضاء أسرة. وفيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور فقد أشار المسح الى أن 31% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجر بواقع 9% فقط في الضفة الغربية و80% في قطاع غزة.

فماذا تعني لنا هذه الأرقام والمؤشرات؟
أولاً استمرار انخفاض نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل لتصل الى 17% فقط في الضفة الغربية. ان هذه النسبة تعتبر الأدنى في العالم! وهنا نطرح سؤالاً جوهرياً هو: كيف نحقق التنمية ونصف المجتمع معطل؟ ويكمن السبب وراء انخفاض مشاركة المرأة في سوق العمل، بالرغم من أن النساء هن الأكثر تعليماً في فلسطين، لاستمرار الاختلال في المنظومة الفكرية الاجتماعية الفلسطينية التي تشجع تعليم النساء من جهة وتمنع عمل الفتيات المتعلمات من الجهة الأخرى! أضف الى ذلك الاختلال في تخصصات / مهارات الإناث واحتياجات سوق العمل. وثانياً انخفاض نسبة البطالة في الضفة الغربية الى 14% ( في الوقت الذي وصلت الى 19.2% في العام 2014 و18% في الربع الأول من العام 2018) يعتبر مؤشراً جيداً في ظل استمرار الأوضاع السياسية على ما هي عليه. وهذا المؤشر إن دل على شيء فانه يدل على نجاعة السياسات الحكومية التي اتخذتها الحكومة الحالية خلال السنة الماضية بالرغم من الأزمة المالية التي مررنا بها.

وثالثاً فإن الاستثمار في قطاع الخدمات لا يزال الأعلى في فلسطين على حساب القطاعات الأخرى مثل الصناعة والزراعة. وهذا ما يفسره ارتفاع نسبة التشغيل في قطاع الخدمات ليصل الى الثلث، في الوقت التي تعتبر الصناعة والزراعة هي الأكثر توليداً لفرص العمل. وهذا يتطلب مزيداً من العمل على تشجيع الاستثمار في قطاعي الصناعة والزراعة نحو مزيد من تقليل نسب البطالة وخاصة في أوساط الشباب. وان التطبيق الجيد للتنمية العنقودية سيكون له انعكاساته الإيجابية على قطاعي الصناعة والزراعة. ورابعاً الانخفاض الملحوظ في عدد العاملين داخل الخط الأخضر والمستعمرات والذي يتزامن وانخفاض البطالة لهو مؤشر آخر على قدرة الاقتصاد المحلي على استيعاب أعداد إضافية من العاملين المهنيين المهرة وخاصة في قطاع البناء. إن هذا المؤشر سيشجع الحكومة على السير قدماً في سياسة فك الارتباط التدريجي عن اقتصاد الاحتلال. وخامساً فبالرغم من أن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بشكل كبير على المنشآت الصغيرة (والعائلية) إلا أن الاتجاه العام للعمل لا يزال يعتمد على العمل بأجر على حساب العمل الذاتي، وهذا يستدعي مزيداً من العمل لتشجيع ودعم الرياديين الشباب وخاصة النساء للبدء في مشاريعهم الإنتاجية الجديدة.

وسادساً فان نسبة عدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور قد انخفضت بشكل كبير في الضفة الغربية لتصل الى 9% فقط، وهذا مؤشر آخر على نجاعة الإجراءات الحكومية بهذا الخصوص والناتج عن زيادة فاعلية منظومة التفتيش في وزارة العمل التي تعمل ليل نهار لتصويب أوضاع العديد من المؤسسات نحو الالتزام الكامل بقانون الحد الأدنى للأجور. وأخيراً وليس آخراً فإن استمرار المؤشرات السلبية لقطاع غزة لهو تأكيد على ضرورة العمل بشكل جدي لإعادة القطاع لحضن الوطن وتمكين الحكومة من الاضطلاع بدورها في القطاع نحو تمكين القطاع من النهوض بعد 13 عاماً من الحصار والانقسام.

أعتقد أن الاقتصاد الفلسطيني في ظل السياسات الحكومية التي تشجع الاستثمار وتدعم القطاع الخاص قادر على الانبعاث بقوة نحو مزيد من النمو، وبالتالي توليد فرص عمل أكبر للقادمين الجدد لسوق العمل. وعلينا أن لا ننسى أن أي انبعاث جديد وقوي للاقتصاد  بحاجة الى مزيد من التحرر من تبعاته لاقتصاد الاحتلال، وهذا ما تعمل عليه الحكومة الحالية بتكليف من القيادة تنفيذاً لقرار المجلس المركزي الفلسطيني الأخير. وما علينا سوى الاستمرار في تحدي الاحتلال نحو بناء اقتصاد قوي ومنتج.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة في نتائج مسح القوى العاملة للعام 2019 قراءة في نتائج مسح القوى العاملة للعام 2019



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 08:05 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أزياء أسبوع ميلانو لموضة الرجال جريئة ومسيطرة

GMT 06:29 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

منع أقدم سجناء "غوانتانامو" من قراءة كتاب دون أسباب

GMT 12:15 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

"ثقافة الإسكندرية" تعلن عن إصدار 4 كتب جديدة

GMT 09:23 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

النمر التسماني يظهر مجددًا بعد الاعتقاد بانقراضه

GMT 10:40 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

الزخرفة تميز "دوتشي آند غابانا" في صيف 2018

GMT 11:44 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

وزير الفلاحة والصيد البحري يصل إلى مدينة جرادة

GMT 05:38 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

كتاب جديد يشرح خبايا السيرة الذاتية لبيريغيت ماكرون

GMT 05:51 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

حمادة هلال يطرح كليب "حلم السنين" في عيد الحب المقبل

GMT 07:18 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

نظام تعليمي إنجليزي متطور يمنح الشهادة الجامعية في عامين

GMT 16:56 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

مصطفى أوراش يوجه أسئلة محرجة لرئيس طانطان لكرة السلة

GMT 10:43 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية مالم تعد من أجمل الأماكن لجمع العائلات وقضاء العطلات

GMT 01:00 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص يحتجز نجله داخل غرفة في مكناس لمدة 3 سنوات

GMT 09:59 2017 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تُعلن أن الغضب المكبوت يُسبّب السرطان

GMT 08:42 2015 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

تنافس تسع فنادق عالمية على جائزة أفضل تصميم
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca