أيضاً المجتمع الدولي يتغير

الدار البيضاء اليوم  -

أيضاً المجتمع الدولي يتغير

عاطف أبو سيف
بقلم : عاطف أبو سيف

لصيق بالحديث عن تفتت الموقف العربي، فإن ثمة تحولات كبيرة في المواقف الدولية يجب أن تكون مصدر قلق حين يتعلق الأمر بمواجهة مخاطر الصفقة التي يطرحها ترامب لتصفية القضية الفلسطينية. أيضاً بنفس القدر الذي يصعب فيه الحديث عن موقف عربي موحد، يصعب الحديث عن موقف دولي موحد تجاه الصراع. وفي حقيقة الأمر، إن مثل هذا الموقف لم يتشكل يوماً بصورة واضحة، إذ ظلت الدول تحتكم في موقفها من القضية الفلسطينية لمدى قربها أو بعدها من أطراف الصراع وحلفائهم. وظلت غائبة دائماً فكرة ظهور موقف دولي واحد وموحد يعكس فهماً واحداً لحقيقة ما يجرى في الأرض المقدسة التي ترتبط بها جل دول العالم بطريقة أو بأخرى.

ومع هذا تطور مع الوقت شيء بات يعرف بالشرعية الدولية التي تتشكل من مجمل القرارات الأممية التي تحدد معالم الحل الذي بات موضع إجماع دولي للصراع. والشرعية الدولية ليست معبرة عن الموقف الدولي بقدر ارتباطها بالآلية التي يرى العالم ممكنات حل الصراع عبرها. ورغم ما تحمله هذه الشرعية من إجحاف غير مسبوق في التاريخ بحق الفلسطينيين، فإنها باتت السقف الأدنى الذي يمكن للفلسطينيين أن يقبلوا به في ظل الظلم الكبير الذي وقع عليهم من قبل مؤسسات المجتمع الدولي التي خلقت الدولة التي سرقت بلادهم وهدمتها وقامت على ترابها الوطني. وأيضاً من حقائق الصراع التي لا تخفي على أحد مساهمة المجتمع الدولي في تدمير فلسطين. وبطريقة أو بأخرى دفع الفلسطينيون ثمن أخطاء أوروبا وجرائهما بحق اليهود وغيرهم، وتم ترحيل الحل على حساب شعب أعزل عاش طوال آلاف السنين بطمأنينة ودعة في بلاده حيث منح البشرية الفكر والدين والحضارة. يصعب تصور وجود إسرائيل دون تصور الدور التخريبي للمجتمع الدولي في عملية هدم ممنهجة للحقوق الفلسطينية وطرد الفلسطينيين من بلادهم. وربما سيأتي يوم في التاريخ تدرس هذه المفارقة المجحفة في الأكاديميا بوصفها إثباتاً على ظلم تاريخي غير إنساني.

مرة أخرى، ومع هذا، فإن تطور ما بات يعرف بالشرعية الدولية كان بطريقة أو بأخرى حماية للمزيد من التآكل في عملية هدم الحقوق الوطنية الفلسطينية. فالمجتمع الدولي الذي سار منذ فجر القرن العشرين مقوداً مثل خروف العيد لرغبات الحركة الصهيونية وبعد أن مكّن الصهاينة من فلسطين واعترف بدولتهم ومنحها شرعية المؤسسات الدولية، بات ينظر بقليل من اليقين إلى الحدود الدنيا للفلسطينيين، خاصة حقهم في تمثيل أنفسهم وضرورة أن يظل لهم جزء يسير من أرضهم ومهد وطنهم حتى يقيموا عليه دولة خاصة بهم. ومع هذا ربط قيام هذه الدولة باتفاق غير متوازن يجب أن يتم التوصل له مع عدوهم إسرائيل. وبعبارة أخرى مطلوب من الفلسطينيين أن يستجدوا هذه الدولة من إسرائيل، وعلى العالم أن يقف ساكناً ساكتاً لا يقوى على شيء إلا القول إن هذه الدولة حق للفلسطينيين. لكنه الحق الذي لا يستدعي تدخلاً لإنفاذه. لا أحد يقتنع بضرورة الضغط على إسرائيل، بل إن هذا الضغط مخالف لقناعات المكونات الكبرى للمجتمع الدولي ويجب محاربته وردعه. لذا وحين تطورت أشكال المقاطعة البسيطة بين بعض محبي السلام ودعاته في بعض الدول الأوروبية، صار يعمل على تجريمها وتوصيفها بمعاداة السامية، كأن أحداً لا يستطيع أن يقول لا لإسرائيل، أو كأن هذه الـ "لا" غير إنسانية، وأن احتلال الغرباء لبلاد غيرهم أمر إنساني وعادل بامتياز.

حتى هذه الشرعية الدولية بدأت تتآكل مع ظهور دعاوى جوهرية لتجاوز تمثيلية المؤسسات الدولية. كان المحافظون الجدد أول من حاول تصديع المؤسسة الدولية، حين قال بوش الابن: إن الحرب على العراق هي حرب الراغبين وإن المهمة تحدد التحالف.. بدأ عهد جديد يرى في المؤسسة الدولية شيئاً هامشياً أمام إرادة القوى العظمي. وتاريخياً كان الأمر كذلك ولكن قبل تصدع جدار برلين كان ثمة توازن مرغوب تحرص الدولة على الحفاظ عليه. ومع الوقت بات واضحاً أن المنظمة الدولية الأولى، أي الأمم المتحدة، لم تعد صاحبة قرار في تقرير مصير الكوكب، وأن القوة القصوى التي تحولت لها واشنطن باتت هي من يقرر إيقاع التحالفات والحروب وعمليات السلام المرغوبة. إنه ذات المنطق الذي ينطلق منه ترامب حين يريد أن يجعل المجتمع الدولي يتبنى خطته بوصفها شاملة وعادلة وتجبُّ كل ما قبلها من قرارات الشرعية الدولية.

في الحقيقة، ثمة سبب آخر وراء هذا التآكل في الشرعية الدولية، وذلك يتمثل في صعود المنظمات الإقليمية التي باتت أكثر نجاعة في حماية مصالح أعضائها من النادي الكبير في نيويورك. ويمكن النظر إلى تجربة الاتحاد الأوربي بكثير من الثقة في ذلك، إذ إن عضويته باتت أكثر إغراءً لدول وسط وشرق أوروبا من أي شيء آخر. ولكن حتى هذه العضوية بقدر ما تجلبه من منافع خاصة اقتصادية، فهي لا تعني شيئاً على صعيد تطوير المواقف السياسية. وبالنظر إلى تجربة الاتحاد الأوروبي، فإن العثرة الكبرى التي ظلت تواجه الدول الأعضاء هي صياغة سياسة خارجية وأمنية مشتركة. وطوال سنين من ركائز الاتحاد الأوروبي، بعد انهيار جدار برلين وانضمام أعداء الأمس إلى نادي بروكسل والتحولات الكبرى التي عصفت بالقارة، فإن الاتحاد ظل عاجزاً عن تبني سياسة واحدة تجاه القضايا الكبرى. ورغم مثلاً ما تم تحقيقه فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي منذ إعلان البندقية عام 1980 وحتى إعلان برلين عام 1999 وجمود الموقف الأوروبي حول اشتراط الاعتراف بالدولة الفلسطينية بالتوصل لتفاهم بشأنها مع إسرائيل، فإن الكثير من الدول الأعضاء، خاصة الوافدين الجدد من وسط وشرق أوروبا، لا يلتزمون بروح ونص الموقف الأوروبي.القول: إنه بات يصعب الحديث عن موقف دولي، بل مواقف يجب السعي إلى تأمينها والحصول عليها وحمايتها من هجمات وضغوطات مضادة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيضاً المجتمع الدولي يتغير أيضاً المجتمع الدولي يتغير



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 08:07 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الميزان الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 07:30 2018 الإثنين ,10 أيلول / سبتمبر

تسيبراس يعد المواطنين بخفض معدلات البطالة

GMT 22:59 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة تويوتا تكشف عن سيارتها "كورولا 2020" الجديدة كليًا

GMT 12:45 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

تنظيم حملة للتبرع بالدم في مدينة وجدة

GMT 18:56 2015 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

عامر يتأهل لنصف نهائي البطولة الأفريقيَّة للسلاح

GMT 11:21 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدي لاستقبال فصل الشتاء بخطوات بسيطة في المنزل

GMT 21:57 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

النجمة الهندية دراتشي دهامي تنشر صور زواجها على "إنستغرام"

GMT 23:37 2019 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

توقيف شخصين رفقة شابتين في أوضاع مخلة في أغادير

GMT 03:45 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

ماديسون بير تتألق باللون الأبيض في لوس أنغلوس

GMT 04:55 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

طرح منزل بسيط في ملبورن للبيع مقابل 2 مليون دولار

GMT 17:30 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

إدارة سجن وجدة تنفي دخول معتقلي "جرادة" في إضراب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca