ما ألذ الهزائم وأطيبها... مقارنة بـ«انتصاراتنا»

الدار البيضاء اليوم  -

ما ألذ الهزائم وأطيبها مقارنة بـ«انتصاراتنا»

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

بعيداً عن النكاية والنكد المفضيين إلى التشكيك في «الانتصار» المؤزر الذي حققه لبنان، مقاومةً ورئيساً وبقايا حكومة، أزعم أن على المراقب التحلي بشيء من الوعي قبل تصديق هذا الإنجاز.

معذور جداً من يشعر بالفخر والاعتزاز إذا صدق ما سمعه خلال الأيام القليلة الماضية عن يوم أغر مشهود للبنان في ترسيم حدوده البحرية مع «العدو» الإسرائيلي. كيف لا وقد تحقق ما تحقق في غياب دولة، وصمت مقاومة، وانهيار اقتصاد، وضياع مجتمع.

إلا أن اللافت، ليس فقط الاحتفاء لبنانياً (على الصعيد الرسمي على الأقل) وأميركياً وفرنسياً بـ«الانتصار»، بل موافقة الحكومة الإسرائيلية أيضاً على ذلك. بل لولا «مناكفة» بنيامين نتنياهو، وسط العد التنازلي للانتخابات العامة الإسرائيلية، كان ممكناً القول إن حماسة تل أبيب - المفترض أنها «مهزومة» - لما أنجزه أشاوس لبنان... ليست أقل من حماسة بعبدا والضاحية وبيروت... ببرلمانها وسراياها الكبير.

هنا أعتقد أن ما حصل يرتبط ارتباطاً وثيقاً ببضع مسائل عاجلة وضاغطة زمنياً، ما عاد يمكن فهم خلجات منطقة الشرق الأوسط واضطراباتها من دون أخذها في الحساب.

- المسألة الأولى: الحرب الأوكرانية وتداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية. وبما يخص أوروبا، بالذات، موضوع الغاز بعد توقف تدفق الغاز الروسي وما يعنيه ذلك بالنسبة للأوروبيين معيشياً وسياسياً هذا الشتاء. ثم إن العلاقات الأميركية الأوروبية الغربية تشهد حالياً توتراً ومظاهر تراجع في الثقة المتبادلة خلال مرحلة حرجة من مسيرة المواجهات الميدانية والتهديدات النووية!

- المسألة الثانية: مفاوضات الملف النووي الإيراني المستمرة وسط استمرار الرفض الغربي ربطه بالتمدد الاحتلالي الإيراني، سياسياً وعسكرياً، في المشرق العربي. وكان من أحدث «منجزات» طهران - التي اعتادت تصدير مشاكلها الداخلية - أنها رغم الانتفاضة الشعبية ضد جلاوزتها تحقيق مبتغاها في حسم رئاستي الحكومة والجمهورية في العراق، ومواصلتها مشروع هيمنتها المطلقة في لبنان قبيل تسمية رئيس جمهورية بالتوافق مع الولايات المتحدة وفرنسا.

- المسألة الثالثة: الانتخابات النصفية الأميركية التي يبدو أن البيت الأبيض يتخوف فيها من الاستفراد به وعزله إذا ما استعاد الجمهوريون السيطرة على مجلسي الكونغرس (السلطة التشريعية) بعدما سيطروا على المحكمة العليا (رأس السلطة القضائية). ولهذا السبب بات الرئيس جو بايدن وفريقه من القادة والإعلاميين الديمقراطيين فائقي الحساسية من أي تطور قد يضعف قوة الديمقراطيين الانتخابية... وفي هذا السياق «الهاجسي» جاء الانتقاد الأميركي الأخير لخفض «أوبك» إنتاج النفط.

- المسألة الرابعة: الانتخابات الإسرائيلية، التي لا يستبعد أن يتمكن المتطرفون بقيادة نتنياهو من حسمها لصالحهم. وفي هذا الشأن قد يؤدي فوز نتنياهو في إسرائيل واستعادة الجمهوريين السيطرة على الكونغرس، إذا حصلا، إلى إرباك كل خطط البيت الأبيض داخلياً وخارجياً خلال السنتين المقبلتين المتبقيتين من رئاسة بايدن.

مع أخذ هذه المسائل الأربع في الحساب ينبغي على المحلل الحصيف أن يتمتع أيضاً بذاكرة قوية تمنعه من تصديق الإعلانات عن انتصارات لم تتحقق وهزائم لم تقع.

تاريخنا مليء في لبنان، وأيضاً على المستوى الأقليمي بأكاذيب مضحكة مبكية عديدة عن «الانتصارات» و«النكسات» و«الهزائم»... لا حاجة لنكء الجراح بسردها تفصيلياً. فالصفقات التي تعقد «تحت الطاولة» خفية عن الشعوب المضللة غالباً ما تقوم على منح المهزوم فعلياً نصراً معنوياً مزيفاً على سبيل الترضية... بحيث من ناحية ينقذ ماء وجهه... ومن ناحية ثانية يبرر له تنازلاته للمنتصر حقاً بعد ادعاء الأخير أنه انهزم.

آخر «الانتصارات» من هذه الماركة حصلت في لبنان في «حرب 2006» حين استطاعت آلة الحرب الإسرائيلية تدمير معظم البنى التحتية للبلاد.

المهم في أمر هذه الحرب أنها انتهت بصفقة سياسية عسكرية يدفع لبنان واللبنانيون ثمنها حتى اليوم. فقد أبعدت هذه الصفقة الوجود المسلح لميليشيا «حزب الله» في منطقة جنوب نهر الليطاني، وحولت اتجاه سلاح هذه الميليشيا الإيرانية الولاء والإمرة إلى الداخل اللبناني عام 2008، ثم إلى الداخل السوري أيضاً بعد 2011. وهنا، لا بد من القول إن «حزب الله»، نفسه، أحجم في حينه عن التباهي بـ«انتصاره»... لو لم تقرر إسرائيل أن خسائرها الضئيلة جداً تبرر تحقيقاً قضائياً في «النكسة». وهكذا، كالعادة، أهدت الحزب - ومن خلفه طهران - «انتصاراً» سياسياً مكلفاً للبنان والمنطقة، في حين ضمنت هي أمن حدودها الشمالية تماماً.

في أي حال، كان مهماً ما قاله بالأمس مرجعان عن حقيقة ما أسفر عنه ترسيم الحدود البحرية، ومن هو «المنتصر» الحقيقي، بالإذن من واشنطن وباريس. إذ قارن العميد بسام ياسين، رئيس الوفد اللبناني في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، في حديث نشرته «الشرق الأوسط»، ما حصل عليه لبنان أخيراً، وما كان يمكن أن يحصل عليه بموجب معاهدة 17 مايو (أيار) 1983 بين لبنان وإسرائيل. وللعلم، تلك المعاهدة أقرها المجلس النيابي في عام 1983، وسط انقسام سياسي خطر دفع المجلس لإلغائها في العام التالي. ومما قاله ياسين إن اتفاق 17 مايو أفضل من اتفاق الترسيم بخصوص منطقة العوامات (التي تمتد إلى حوالي 5 كلم من الشاطئ) التي أبقيت تحت احتلال إسرائيل مع حرية دخول مراكبها العسكرية إليها. وهذا بجانب مسائل تقنية تفصيلية أخرى.

أما الدكتور عصام خليفة، الأكاديمي الخبير في المسألة الحدودية، فقد خلص في مطالعة مفصلة إلى القول إن «القرار 425 أقوى من القرار 1701، إذ يطالب إسرائيل بالانسحاب إلى خط الحدود الدولية، بينما الـ1701 يعتمد الخط الأزرق، وهو خط تقني، ليس هو خط الحدود الدولية». وأما عن الترسيم البحري فيشير خليفة إلى أن لبنان مغبون حتى بعد اعتماد النقطة 23. ويضيف «بالنسبة للمنطقة الاقتصادية البحرية، فقد قام لبنان بتطبيق مندرجات الاتفاقية الدولية لقانون البحار التي وقع عليها لبنان بموجب القانون رقم 295 تاريخ 22 - 2 - 1994، بينما لم توقع إسرائيل على هذه الاتفاقية الدولية. وتعتدي إسرائيل على المنطقة الاقتصادية اللبنانية وتطالب بمساحة 860 كلم مربعاً. كما طرح الجانب الأميركي اقتسام هذه المنطقة بإعطاء لبنان 468 كلم مربعاً وإعطاء إسرائيل 392 كلم مربعاً، وقد رفض لبنان هذا الاقتراح، ويجب أن يستمر في رفضه».

هذا يعني أنه ليس هناك «انتصارات»، بل صفقات مرعية دولياً، وهي في إطارها الجيو-سياسي جزء لا يتجزأ من خريطة التقاسم والتعايش الإيرانية الإسرائيلية للمنطقة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما ألذ الهزائم وأطيبها مقارنة بـ«انتصاراتنا» ما ألذ الهزائم وأطيبها مقارنة بـ«انتصاراتنا»



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 17:46 2015 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار سيارة كيا سيراتو 2016 في المغرب

GMT 04:55 2016 السبت ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تجدد الخلاف بين الهنديتين ديبيكا بادكون وكاترينا كيف

GMT 04:52 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق تنظيف الباركيه والعناية به

GMT 05:03 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

أنطونيو بانديراس يُقدِّم عطرًا جديدًا جذّابًا ومنعشًا

GMT 12:12 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

منة حسين فهمي ترفع شعار "الكلاب يدخلون الجنة"

GMT 15:38 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار سيارة اودي تي تي 2016 في المغرب

GMT 13:25 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الأمن توقف سبعة سلفيين في مدينتي طنجة وفاس

GMT 09:13 2018 الأحد ,10 حزيران / يونيو

"فوكسهول" تطرح سلسلة سيارات FB-Victor رائعة منذ 1961

GMT 15:20 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

كن انت هذا العام

GMT 14:08 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

ريال مدريد يضع شرطًا لضم توريس جوهرة فالنسيا الشاب

GMT 01:19 2016 الإثنين ,08 آب / أغسطس

هل النعناع يعالج الحموضة؟
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca