انتهت جولة... ولم تُحسم الحرب

الدار البيضاء اليوم  -

انتهت جولة ولم تُحسم الحرب

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

لا بدَّ لي من القول إن نتائج الانتخابات اللبنانية جاءت أقل سوءاً مما كنت أتوقع.

لم استخدم هنا كلمة «أفضل» لأنني كنت أتخوّف من «سيناريو» سيئ في ظل جملة من المعطيات المُقلقة على رأسها إجراء الانتخابات في ظل الاحتلال وبموجب قانون انتخابي فرضه على هواه... ووفق مخططه البعيد المدى لما يريد للبنان أن يكون.

النتيجة – ظاهرياً على الأقل – كانت إيجابية بصورة عامة. إذ إن القوى التي ترفع لواء «التغيير» احتفت باختراقات لافتة تمثلت في فوزها بما لا يقل عن 15 مقعداً... من شمال لبنان إلى جنوبه.

كذلك، رأينا القوى التي تطلق على نفسها اسم «القوى السيادية» تهنئ نفسها بنجاحها في زيادة عدد مقاعدها البرلمانية، وبالأخص، في المناطق المسيحية. وهنا تباهت «القوى السيادية» - تحديداً حزب «القوات اللبنانية» - بأنَّ عدد مقاعدها تجاوز رصيد «التيار الوطني الحر» (العوني) الذي دأب خلال السنوات الأخيرة على الادعاء بأنَّه الممثل الأكبر للمسيحيين والمدافع الأوحد عن وجودهم. ثم إنَّ القوى التقليدية المسيحية الأعرق حضوراً والأصغر تمثيلاً، مثل حزبي الكتائب اللبنانية والوطنيين الأحرار عادا إلى الساحة... الأول بزيادة عدد مقاعده، والثاني بعودته عبر زعيمه كميل شمعون (الحفيد) في البرلمان.

هذا في الجانب المسيحي، أما في الجانب الإسلامي، فإن الدعوة الملحاحة من رئيس الوزراء السابق سعد الحريري لمناصريه ومحازبيه في تيار «المستقبل» على مقاطعة الانتخابات، لم تنته بـ«الكارثة» التي خشي منها كثيرون... وهي ملء «حزب الله» وحلفائه الفراغ الذي سيخلفه الصوت السنّي.

صحيح، كانت النتيجة عموماً سيئة على الصعيد السنّي، لكنَّها لم تكن بالسوء الذي كان يخشاه خصوم «حزب الله»، أو ربما الذي كان يتمناه الرئيس الحريري عبر تقديم نفسه على أنه «الزعيم السنّي» الذي سيضيع السنّة حتماً من دونه.

لقد خسر السنّة الوطنيون مقاعد عدة ما كان جائزاً خسارتها في بيروت الثانية وفي طرابلس وعكار بشمال لبنان، وفي بعلبك - الهرمل وراشيا - البقاع الغربي بشرق لبنان، كذلك سقط المرشح السنّي «المستقبلي» في الشوف - عاليه أمام مرشحة «تغييرية». وأسهم قرار «المقاطعة» السيئ في سقوط رموز «مستقبلية» لطالما كانت مخلصة لإرث رفيق الحريري.

ولكن مقابل ذلك، كانت ثمة إيجابيات. إذ تمكن قياديون سنيّون وطنيون من الخروج من تحت عباءة سعد الحريري... وصنعوا لأنفسهم حضوراً مستقلاً عنه لا يعتمد عليه، كما حدث في طرابلس حيث فاز اللواء أشرف ريفي. وعاد الصوت الوطني في صيدا ليعيد الاعتبار لزعامتي سعد - البزري في مدينة صيدا. وأيضاً من الإيجابيات، أن «حزب الله» ومناصريه فشلوا في اختراق «الساحة السنّية» في كل من الشوف (إقليم الخروب) وقضاء زحلة. واقتصار عدد النواب السنّة التابعين للحزب على 8 نواب فقط من أصل 27 نائباً.

أما على مستوى الموحدين الدروز فكانت النتيجة التي أسفرت عنها الانتخابات صريحة وخالصة، إذ خسر أبرز خصوم الزعيم وليد جنبلاط معاركهم (ومعارك «حزب الله») ضده. وهكذا، صارت الكتلة البرلمانية للدروز حكراً على 6 نواب من كتلة جنبلاط ونائبين من «التغييريين»... محسوبين على «يساره».

يبقى تيار «التغيير». هذا التيار كان المنتصر الأكبر... وبمراحل. ففي برلمان 2018 تمثل «التغييريون» بنائب واحد فقط هي الإعلامية بولا يعقوبيان، التي استقالت من البرلمان بعد «انتفاضة 2019» مع عدد من النواب. أما اليوم فلدى جماعات «التغيير» المتعددة ما لا يقل عن 15 نائباً ونائبة... وهذا إنجاز لافت بلا شك.

ولكن، بعد هذا العرض، لا بد من وقفة رصينة وعاقلة. فبصرف النظر عما إذا كان «السياديون» و«التغييريون» اللبنانيون قد انتزعوا الغالبية البرلمانية على حساب «حزب الله» وأتباعه أم لا، فإن هذا الانتصار لن يؤدي إلى تبديل جذري في واقع الهيمنة... الذي صار منذ 2008 «احتلالاً».

ذلك أن قوى «14 آذار» المناوئة لـ«حزب الله» وأتباعه لطالما تمتعت بالغالبية البرلمانية قبل برلمان 2018. رغم ذلك كان ضغط السلاح أقوى من صوت الشعب، ومشروع الهيمنة أعتى من قدرة المواطن على بناء وطن يتسع لجميع أبنائه، والتواطؤ الدولي أكثر فاعلية من النيات الحسنة للبنانيين والعرب.

طبعاً يؤكد خيار التغيير الديمقراطي السلمي الذي سار به اللبنانيون، ومارسوه خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، رفضهم الاستسلام وتمسكهم بثقافة الحياة. إلا أن هذا الإنجاز الرائع لا يعني شيئاً إذا ما استمر مسلسل التآمر الإقليمي على لبنان، وواصلت القوى الدولية المعنية استخدام لبنان - وغير لبنان من كيانات المنطقة العربية - «بيادق» شطرنج في «لعبة أمم» قذرة... تتحكم بإيقاعها حسابات مفاوضات الملف النووي الإيراني، والحرب الروسية الاوكرانية، وغيرها من المسائل التي هي أكبر بكثير من لبنان واللبنانيين.

لقد أثبتت الانتخابات الأخيرة أنَّ المواطن الحر الذي أوجعه الجوع من دون أن يذله، وكسره الحرمان من دون أن يسحقه، ما زال مستعداً للوقوف في وجه الظلم، ومواجهة البطش، والتصدي بشجاعة لمؤامرة تغيير هوية البلد ونسيجه ومصيره. إلا أن التجارب كفيلة بتحذير الجميع من عدد من المهاوي الخطرة، في طليعتها:

- أن تصويت نسبة لا بأس بها من المسيحيين مع تيار عون – رغم تراجع التأييد الشعبي له – ظاهرة غير مطمئنة إلى وعي هؤلاء بتحديات هذه المرحلة.

- مسألة قلة الوعي نفسها، تمثلت ليس فقط بمواصلة بعض المسيحيين الرهان على العونيين، بل بخوض «السياديين» و«التغييرين» المسيحيين معارك تصفية حسابات وإلغاء عبثية أدت إلى نجاح جبران باسيل في منطقة البترون حيث كان إسقاطه امراً متاحاً لولاً توزّع أصوات منافسيه.

- أن تشرذم الأصوات، بسبب «المقاطعة» السنّية السيئة وقانون الانتخابات الأسوأ، حال دون وجود كتل كبيرة متماسكة في الشارع المسلم السنّي. وهو ما يسهّل الاستفراد والتهديد والابتزاز بحق بعض النواب.

- التمثيل الشيعي ما زال «مغلقاً» على «الثنائي» «حزب الله» وأمل، ما يعني استحالة إحداث أي تغيير... أقله في رئاسة البرلمان.

خلاصة القول، أن ما شهده لبنان أمس كان نهاية «جولة»... أما «الحرب» الإنقاذية فمستمرة، وتستوجب الوعي والحكمة والتعامل مع الاستحقاقات الداهمة والخطيرة في الأشهر الخمسة المقبلة بالجدّيّة التي تستحق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتهت جولة ولم تُحسم الحرب انتهت جولة ولم تُحسم الحرب



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 10:36 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

هيرفي رونار يعيد السعيدي وتاعرابت إلى المنتخب المغربي

GMT 01:58 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

هنا الزاهد تُؤكّد سعادتها بإيرادات فيلم "عقدة الخواجة"

GMT 13:05 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

سليمان يكشف أنه تحت أمر الأهلي ولا يملي عليه أيّ شروط

GMT 11:30 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

الواصلي يكلف المغرب التطواني 36 ألف دولار

GMT 02:51 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فندق القوارض في فرنسا لمفضلي الأماكن الأغرب حول العالم

GMT 02:25 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المصارع جيمس هاريس يصارع الموت بسبب "السكر"

GMT 05:25 2017 الثلاثاء ,28 آذار/ مارس

حمودة شيراز تتفنن في تصميم تحف فنية من الخزف

GMT 22:15 2014 الخميس ,16 تشرين الأول / أكتوبر

الألوان الفاقعة في أحمر الشفاه مناسبة لجميع أنواع البشرة

GMT 13:06 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على أصول اختيار وصلات الشعر وطرق العناية بها

GMT 14:47 2017 السبت ,22 تموز / يوليو

حول اساليب احتيال بعض مكاتب السياحة

GMT 02:35 2017 الأحد ,22 تشرين الأول / أكتوبر

توقيع "قلادة مردوخ" في مكتبة "ألف" في السويس

GMT 10:14 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

رد غامض من هيغواين بشأن انتقاله إلى تشيلسي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca