غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

الدار البيضاء اليوم  -

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ

بقلم : رشيد مشقاقة

أبدى الأستاذ محمد الناصري، وزير العدل السابق، رحمه الله بالغ أسفه وهو يقول: لصاحبه المحامي:

ـ “اختلالات القضاء تخرج من هنا، فقد سألت مسؤولا قضائيا عن المصدر الذي استقى منه نظريته حول قاض معين فأجابني بصراحة: قِيل لي أن أُثْنِيَ على المعني بالأمر ففعلت، وهو أمر جاري به العمل”!

وقد صارحني قاض متقاعد زَاوَلَ مَهام التّفتيش زمنا قائلا: “وقع بَيْنَنَا الإجماع عَلى تردي أحوال محكمة مُعَينة، وعدم قدرة المسؤول بها على تصريف أشغالها، ولم يبد المفتش العام آنذاك أي تحفظ بشأن التقرير المنجز في الموضوع، لَكِنَّهُ تَلاَ أمام وزير العدل قصيدَة مَدْح في المسؤول ذَاته، مُبَرِّرا ما أقدم عليه بِمَا لا يَتّفِق والدور المنوط به”!

أمّا ثالثه الأثافي، فجاءت على لسان العضو السابق للمجلس الأعلى للقضاء الذي ضحك في وَجْهي قائلا: “كنا على وشك إسناد مهمة مسؤول قضائي بِشَرْق البلاد لقاض أَجْمَع الرَّأْي على أهليته لها”، فنطق مِنْ بَيْنِنَا عضو قائلا:

ـ “اتصل بي المعني بالأمر، وَعَبَّرَ عَنْ عَدَم رغْبَتِهِ في ما تقترحونه عليه”، فصرفت النظر عن ذلك، لأفاجأ باحتجاج القاضي بعد إعلان النتائج عندما علم بما جرى صارخا:

ـ “كَذب عليكم عضو المجلس الأعلى للقضاء، لم ألتق به مطلقا، بَلْ هُوَ لا يعرفني بالصورة، فكيف فعل ما فعل”!

هذه مقتطفات مما كان المنتدى المغربي للقضاة بصدد إحاطة علم السيد وزير العدل السابق الأستاذ مصطفى الرميد بِهَا قبل الشروع في تطبِيق النِّظام الجديد لانتخاب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، حتى تَقع القطيعة نِهائيا بين هذا النوع من السلوك الشائن وبين ما عُقِدَ عليه العزم من إقرار قضاء متين قوي البُنْيَان، لكن لم يكتب لنا الإفصاح عن ذلك عندما اكتشفنا أننا نُغَرِّد خارج السِّرْب!

سِرُّ البلية التي أُصيب بِهَا قطاع القضاء يَكْمُنُ في هذا التقيِيم اليَدَوي الذّي تُذَيَّلُ به نشرات تنقيط القُضَاة، والانصياع التام لِمَا يملى على من يُرجى مِنْه إبداء الرَّأي في زيد أو عمر من القضاة، وبذلك تظهر نتائج المجلس الأعلى للقضاء غريبة كل الغرابة!

وقد عبر صاحبي القاضي عن ذلك عندما اكتشف أنَّ قَاضياً لم تُنْس بعد مُخَالَفَتُه التأديبية وقرار توقيفه، تمت تَرْقِيته وتكليفه بمهام كبيرة، فصارح من له الاختصاص بذلك زَمَناً، فاستغرب هو بدوره أو ادَّعَى الاستغراب قائلا:

ـ”لا علم ليّ بما تقول، فأسقط في يد صاحبي..”!!

البَلِيَّةُ التي أصيب بها القطاع، بَلَغَت إلى عِلْم المتهافتين مِنَّا، فاستعملوها بالعناية الفائقة التي تُسْتَحَقُّ لإدراك المراد!!

فأصبح عندنا القضاة الذين يحتفلون إلى جانب الأعياد الوطنية والدينية بعيد انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، فيلبسون أحلى الثياب ويستعدون للسفر الطويل إلى جانب المرشحين، مُعْرِبين عن تضامنهم اللامشروط معهم ونُبْل رسالتهم حتى إذا نجح المرشح أصبحوا رؤساء محاكم ووكلاء ملك ورؤساء أولين ووكلاء عامين للملك!!

وأصبح عندنا القضاة الذين لا يختلفون عن الشاعر المتنبي إلاّ في عدم فهمهم للتَّفْعِيلة والقوافي، أَمَّا المَدْح التكَسبي والتَزَّلُف والاستجداءُ، فقد أبدعوا فيه فلا يُضِيرُهم أَنْ يَمسّهُم في ذمتهم أو أخلاقهم، وجازاهم المَمْدُوحُونَ وأغْدَقوا عليهم بِدَوْرِهِم في عملية تبادل المصالح التي اسْترْسَلت وتناسلت مع الزّمن!!

وقد استغرب صاحبي نقيب هيئة المحامين من الطريقة التي كان يجيب بها أحد المسؤولين القضائيين النّافذين عن سؤال حول أهمية الانتخاب في عضوية أحد مكوني المجلس الأعلى للسلطة القضائية بدل التعيين، فهو يتحدث عن الثقة المولوية كأنما يُخَاطِبُ نَفْسَه والحال أن السائل لا يجادل في ذلك. فالثقة المولوية يحظى بها الإطار القضائي سواء أكان معيّنا أو منتخبا، ويبدو أن ثقة الرجل الزائدة في نَفْسِهِ حجبت الرؤية عن إدراكه الواقع وإرهاصاته وهذا ما حصل فعلا!!

نماذج كثيرة ومكررة مِن عجائب القضاء والقضاة في بلادنا، من الواجب أن نضع لها حداً حتى لا يُعَمَّر الإحباط والملل واليأس في النفوس، لا ينبغي أن نتوسل بالكلام المعسول والنفاق والمخاتلة المناصب ونتسلطن بها على بعضنا البعض!!

في فيلم “الكرنك” المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ، يؤدي الممثل (علي الشريف) التَّاجرُ، فاتورة الحانة عن فريد شوقي وأصحابه السَّكارى، ثم يقول له:

ـ “أريد الزواج من ابنتك الطَّبِيبَة سُعَاد حسني”، فينطلق فريد شوقي والسكارى في الغناء بلحن واحد:

“غَنِّي لِي شْوَيَّ شْوَيَّ غَنِّي لِي وْخُذْ عِينَيَّ!!”

فكم من عيون أخذت منا بنفس طريقة الممثل علي الشريف!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ



GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

GMT 05:42 2017 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

الصَّرْدي مفخرة وطنية!

GMT 08:05 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أزياء أسبوع ميلانو لموضة الرجال جريئة ومسيطرة

GMT 06:29 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

منع أقدم سجناء "غوانتانامو" من قراءة كتاب دون أسباب

GMT 12:15 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

"ثقافة الإسكندرية" تعلن عن إصدار 4 كتب جديدة

GMT 09:23 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

النمر التسماني يظهر مجددًا بعد الاعتقاد بانقراضه

GMT 10:40 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

الزخرفة تميز "دوتشي آند غابانا" في صيف 2018

GMT 11:44 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

وزير الفلاحة والصيد البحري يصل إلى مدينة جرادة

GMT 05:38 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

كتاب جديد يشرح خبايا السيرة الذاتية لبيريغيت ماكرون

GMT 05:51 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

حمادة هلال يطرح كليب "حلم السنين" في عيد الحب المقبل

GMT 07:18 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

نظام تعليمي إنجليزي متطور يمنح الشهادة الجامعية في عامين

GMT 16:56 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

مصطفى أوراش يوجه أسئلة محرجة لرئيس طانطان لكرة السلة

GMT 10:43 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية مالم تعد من أجمل الأماكن لجمع العائلات وقضاء العطلات

GMT 01:00 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص يحتجز نجله داخل غرفة في مكناس لمدة 3 سنوات

GMT 09:59 2017 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تُعلن أن الغضب المكبوت يُسبّب السرطان

GMT 08:42 2015 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

تنافس تسع فنادق عالمية على جائزة أفضل تصميم
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca