خطورة الحادث الحدودي بين المغرب والجزائر

الدار البيضاء اليوم  -

خطورة الحادث الحدودي بين المغرب والجزائر

خيرالله خيرالله

لا يمكن للتحرّش بالمغرب أن يقدّم أو يؤخّر. هذا لا يمنع أن يكون المسؤولون في الرباط في غاية الحذر، عندما يطلق جندي جزائري النار على مواطنين مغاربة في منطقة حدودية ويصيب أحد هؤلاء بجروح. فالحادث، على الرغم من أنّه قد يكون ذا طابع فردي، يعكس إلى حدّ كبير التوتّر في الداخل الجزائري، وهو توتّر لا يقتصر بالضرورة على فرد، بمقدار ما أنّه يعكس مزاجا عاما.

في ضوء ما تمرّ به الجزائر، ليس أمام المغرب سوى أن يكون محتاطا لما يصدر عن نظام في بلد جار يفترض أن تكون العلاقات معه أكثر من طبيعية. أكثر من ذلك، على المغرب أن يكون في غاية الحذر حيال حوادث من هذا النوع، أيّا تكن طبيعتها نظرا إلى أنّها تمس المواطن العادي.

هذا عائد أولا إلى أنّه لو كان هناك نظام جزائري يتمتّع بحدّ أدنى من العقل والتعقّل، لكان البَلَدان، أقاما علاقات تعاون بينهما لا يمكن إلا أن تصبّ في مصلحة الشعبين اللذين توجد روابط كثيرة ومتنوعة بينهما على كلّ صعيد. كان يمكن الاستخفاف بالحادث، على الرغم من الأهمية التي توليها السلطات المغربية، على أعلى مستوى، بكل مواطن بغض النظر عن المنطقة التي ينتمي إليها أو وضعه الاجتماعي. هناك حرص في المغرب على كل مواطن وهو ما عبر عنه الملك محمّد السادس، المرّة تلو الأخرى، في كل خطاب يلقيه.

في النهاية، هناك شعور عميق في المغرب وإيمان راسخ بأن الثروة الأهمّ للبلد هي الثروة الإنسانية. ولذلك، لا استهانة بأي حادث يمكن أن يستهدف مواطنا مغربيا، فكيف إذا كان الأمر متعلّقا بإطلاق نار مصدره جندي جزائري على مواطنين عزل في منطقة حدودية؟

في كل الأحوال، ليس أمام المغرب من خيار غير اليقظة. فالجزائر مصرّة على إبقاء الحدود بين البلدين مغلقة منذ عشرين عاما. هل يخاف النظام في الجزائر من دخول مواطنيه المغرب ليشاهدوا بأنفسهم الحياة في بلد طبيعي عرف كيف يستغلّ ثرواته الوطنية بدل تبديدها، على الرغم من أن لا غاز ولا نفط في المغرب… كما حال الجزائر؟

ربّما أكثر ما يخشاه النظام الجزائري المقارنة على أرض الواقع. كيف الشعب في المغرب بأكثريته سعيد نسبيا، وكيف الشعب في الجزائر بائس في معظمه على الرغم من وجود مليارات الدولارات في خزائن الدولة التي يعتمد اقتصادها على أسعار النفط والغاز؟

يكمن الفارق بين المغرب والجزائر في أن المملكة استثمرت في الإنسان وفي تطوير الاقتصاد دون أي عقد من أي نوع كان. هل تخشى الجزائر الورشة التي أطلقها أخيرا محمّد السادس من أجل تطوير الدار البيضاء؟ هل تخشى أن يشاهد مواطن جزائري ميناء طنجة الجديد الذي يفتح المغرب على أوروبا، وأوروبا على المغرب؟

هل يخشى أن يأخذ الجزائريون علما بمئات المشاريع التنموية في البلد، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن أقصى الغرب إلى أقصى الشرق؟

بدل الاستثمار في الإنسان، وفي تحسين مستوى المعيشة في البلد والبحث عن تطوير الاقتصاد من أجل مواجهة اليوم الذي تنضب فيه الثروات النفطية والغاز، لجأ النظام في الجزائر إلى العيش في الأوهام، رافضا الاعتراف بالواقع. أوصله ذلك إلى أزمة عميقة تعتبر الولاية الرابعة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة رمزا لها.

فرض النظام الجزائري على مواطنيه رئيسا مريضا. ليس بين المواطنين العاديين من يعرف هل بوتفليقة أهل لممارسة صلاحياته الرئاسية، أم هو غطاء لإدارة مجموعة معينة، معروفة تماما، للبلد حفاظا على مصالح بعض الأشخاص الذين استفادوا، إلى أبعد حدود، من الموقع الذي يشغله الرجل منذ عام 1999؟

مرّة أخرى، على المغرب أن يكون حذرا. الحادث الحدودي قد يكون عابرا. لكنّ الحذر أكثر من ضروري لأنّ الجزائر تمر بأزمة عميقة. من بين ما يعبر عن الأزمة إضراب رجال الشرطة، واعتصامهم أمام مقر رئاسة الجمهورية، قبل أن يوجد من يهدّئ الوضع الناجم عن اضطرابات ذات طابع عرقي ومذهبي في بعض المناطق.

المخيف في الجزائر، أنّ من عادة النظام فيها افتعال أزمات للآخرين للهرب من أزماته. هذا هو السلوك الطبيعي للنظام الجزائري الذي لا يريد أن تكون الجزائر بلدا طبيعيا. الدليل على ذلك، اعتقاد النظام أنّ حرب الاستنزاف التي يشنّها على المغرب عن طريق افتعال قضية، اسمها قضية الصحراء، ستعود عليه بفائدة ما. ما الفائدة التي يمكن أن يجنيها بلد من إيذاء جاره بدل التعاطي معه بشكل طبيعي، والبحث عن كيفية التنسيق والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب مثلا؟

ما قد يكون مخيفا أكثر من ذلك كله، أن النظام في الجزائر متخصص في سياسة تقوم على دعم الإرهاب خارج أراضيه، والتعامل معه بقسوة، متى تعلّق الأمر بالداخل الجزائري. الإرهاب خارج الجزائر جزء لا يتجزّأ من “حق تقرير المصير للشعوب”. أما الإرهاب داخل الجزائر، فهو إرهاب بكل ما في الكلمة من معنى. هذا الإرهاب الداخلي يجب اجتثاثه، في حين أنّ الإرهاب في الخارج يمكن التعاطي معه بطريقة أخرى مختلفة، خصوصا في حال كان يؤذي الآخر، خصوصا بلدا مسالما مثل المملكة المغربية.

الثابت أن الاستثمار الجزائري في زرع الكره والعداء للمغرب ولشعبه ليس استثمارا مفيدا. عاجلا أم آجلا سيتبين أن الهرب إلى الخارج ليس سياسة، ولا يمكن أن يكون أساسا لأي سياسة. ما يمكن أن يبني سياسة ذات معنى يتمثّل في الاهتمام، أولا، بالداخل الجزائري، أي في كيفية القيام بمشاريع تنمية حقيقية من جهة، وحماية البلد من الإرهاب من جهة أخرى. هذا الإرهاب الذي يمكن أن يكون مصدره ليبيا التي فيها مخازن أسلحة من مخلفات نظام القذّافي الذي لعب بدوره، في مرحلة معينة، دورا في تشجيع الإرهاب الذي يستهدف المغرب عبر دعمه للأداة الجزائرية المسمّاة جبهة “بوليساريو”.

كذلك، إنّ الاهتمام بالداخل الجزائري يفرض، أوّل ما يفرض، التركيز على ما يدور في الساحل الصحراوي الذي تنتشر فيه “القاعدة” وما شابه “القاعدة”، والذي يشكل تهديدا لكل دول المغرب وتلك التي على تماس بالصحراء.

الأكيد أن التحرّش بالمغرب لن يحل أي مشكلة جزائرية. مشكلة الجزائر في الجزائر. إنها مع نظام يمارس منذ فترة طويلة لعبة سترتد عليه عاجلا أم آجلا. هذا النظام لا يستطيع حتّى مصارحة شعبه وأن يقول له الحقيقة عن الوضع الصحي

 

 

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطورة الحادث الحدودي بين المغرب والجزائر خطورة الحادث الحدودي بين المغرب والجزائر



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 06:25 2018 الأحد ,29 إبريل / نيسان

أفكار متنوعة وراقية لديكور حفلات الزفاف

GMT 03:33 2018 الثلاثاء ,27 آذار/ مارس

الهاتف Huawei Y7 2018 يظهر في صورة رسمية مسربة

GMT 13:31 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

حسام عاشور على بُعد 3 خطوات مِن الأكثر تتويجًا في العالم

GMT 05:33 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

التحقيق مع مدير بنك اختلس 600 مليون سنتيم في الجديدة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca