الصورة الكبيرة في سورية

الدار البيضاء اليوم  -

الصورة الكبيرة في سورية

بقلم : خيرالله خيرالله

هناك توزيع أدوار في الشمال السوري، ولكن على حساب الشعب السوري. تشير آخر الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن هناك 700 ألف نازح سوري جديد من شمال غربي سورية. إنّه رقم مذهل يعكس إلى حدّ كبير حجم المأساة التي يتفرّج عليها العالم منذ سنوات عدّة. يبدو أن تركيا تريد تحقيق هدفها المتمثل في إقامة منطقة آمنة بعمق 35 كيلومترا داخل الأراضي السورية. يحصل ذلك بالاتفاق بين أنقرة وموسكو التي تريد أن تكون هناك سيطرة لقوات تابعة للنظام، بدعم من الميليشيات التابعة لإيران، على الطرق الرئيسية مثل طريق حلب – حماة وطريق جسر الشغور – حلب.

هذه، كما يظهر، الخطوط العريضة للمعركة الدائرة في الشمال السوري والتي تشمل إدلب. من الواضح أن هناك تفاهمات روسية – تركية وهناك حرص أميركي على دور تركي من ضمن إطار عام متفق عليه بين واشنطن وأنقرة.في انتظار أن تصبح الصورة أكثر وضوحاً تتجدّد المأساة السورية يوميا ويزداد النزوح السوري. ليس ما يشير إلى أن الحرب السورية انتهت. لا تزال هذه الحرب في بدايتها على الرغم من مرور كلّ هذه السنوات عليها. الثابت الوحيد أن النظام القائم منذ خمسين عاما لا مستقبل له من جهة وأن سورية التي عرفناها لم تعد موجودة.

لم تعد سورية مفتّتة فحسب، بل ثمة حاجة أيضا إلى ما بين 250 و300 مليار دولار لإعادة بناء ما تهدّم في السنوات التسع الأخيرة. من سيوفّر مثل هذا المال يوماً؟ كلّ ما في الأمر أن هناك إصراراً لدى النظام على رفض الخروج من دمشق حتّى لو كان ثمن ذلك نهاية سورية.يظلّ العنوان الذي اختاره سام داغر لكتابه عن سورية العنوان الأفضل لاختصار ما يشهده هذا البلد. العنوان هو "الأسد أو نحرق البلد". تحترق سورية ولن تقوم لها قيامة من أجل بقاء بشّار الأسد في دمشق. لم يعد بقاء الأسد يقدّم أو يؤخر في شيء ما دام أدى الدور المطلوب منه أصلاً. يتمثّل هذا الدور في تدمير سورية التي كانت مرشّحة قبل وصول البعث، بشعاراته الفارغة إلى السلطة في الثامن من آذار 1963 لتكون دولة مليئة بالحياة والنشاط التجاري والمالي، دولة قابلة لأن توفّر نموذجا يحتذى به في المنطقة كلّها.

ما كشفته تطورات الأسابيع الأخيرة أن تركيا تعرف ماذا تريد وأن أهدافها محددة. هذا ما يعرفه الأميركيون أيضا وهذا ما يعرفه الروس بدورهم. تحصل بين الحين والآخر تجاذبات بين موسكو وأنقرة، لكن هذه التجاذبات ما تلبث أن تجد طريقها إلى تسويات غالبا ما تتم على حساب السوريين.ما لا يغيب عن البال في أيّ وقت أنّ تركيا لعبت منذ البداية كلّ الأدوار التي ساهمت في وصول هذا البلد إلى ما وصل إليه. صحيح أنّها أقدمت على خطوات إيجابية عدّة من بينها استضافة مئات آلاف السوريين، لكنّ الصحيح أيضا أنّ رجب طيّب أردوغان باع السوريين أوهاماً كثيرة قبل أن يتبيّن أنّه يعاني في الوقت ذاته من عقد كثيرة من بينها عقدة من يعتقد أنّه الزعيم الذي لم يولد مثله في المنطقة كلّها. لعلّ آخر دليل على أن مصير سورية آخر ما يهمّ أردوغان إرساله مقاتلين سوريين إلى ليبيا لخوض معركة لها علاقة بكلّ شيء باستثناء سورية والسوريين.

لا بدّ هذه الأيام من النظر إلى الصورة الكبيرة وليس إلى ما يجري في الشمال السوري فقط. تقول الصورة الكبيرة إنّ ما يدور في سورية هذه الأيّام جزء لا يتجزّأ من التغييرات التي تشهدها المنطقة، بما في ذلك انحسار الدور الإيراني. هذا لا يعني في طبيعة الحال أن الدور الإيراني لم يعد موجودا في سورية، بل يعني أنّ روسيا صارت أقرب إلى الإمساك بخيوط كثيرة في دمشق. ما يعطي فكرة عن التقدّم الذي حققته روسيا في سورية على الصعيد السياسي الزيارة التي قام بها لدمشق الرئيس فلاديمير بوتين قبل نحو شهر ونصف الشهر. لم يكن صدفة أن الزيارة جاءت مباشرة بعد تصفية الإدارة الأميركية لقاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني الذي لعب دورا محوريا في تمكين بشّار الأسد من البقاء في دمشق.

لم يكتف بوتين باستدعاء بشار الأسد إلى قاعدة روسية في دمشق، بل حرص على زيارة الجامع الأموي والبطريركية الأرثوذكسية في إشارة إلى تركيز روسي على أهمّية أهل السنّة من جهة وعلى علاقتها المتميّزة بالأقليّة المسيحية من جهة أخرى. هذا لا يعني انتفاء الحاجة الروسية إلى إيران. لا تزال روسيا في حاجة إلى الميليشيات التابعة لإيران على الأرض السورية نظراً إلى أن تدخلها العسكري يعتمد على سلاح الجو أكثر من أيّ شيء آخر.ما يفترض في بلد مثل لبنان دخل مرحلة الانهيار عمله هو تفادي الهرب بمشاكله إلى موضوع اللاجئين السوريين. 

هناك واقع لا يستطيع لبنان تجاوزه. ما لا يستطيع الهرب منه هو أنّ اللاجئين السوريين لم يتسببوا بالانهيار اللبناني. ما تسبّب بالانهيار هو "عهد حزب الله" الذي بدأ عملياً مع انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016. قبل أن يبدأ هذا العهد، الذي أزال كلّ جدار كان يفصل بين مؤسسات الدولة اللبنانية و"حزب الله"، لعب سلاح الحزب دوره في إغراق لبنان في المستنقع السوري. تسبّب الحزب بتهجير عشرات آلاف السوريين إلى لبنان في ضوء مشاركته المباشرة في تطهير مناطق في محيط دمشق وفي محاذاة الحدود اللبنانية من الذين ينتمون إلى أهل السنّة. هذا ما يرغب فيه النظام. وهذا ما ترغب فيه إيران التي تعمل من أجل تغيير في الطبيعة الديموغرافية لسورية.

في كلّ مرّة يطرح فيها الموضوع السوري، لا مفرّ من العودة إلى الصورة الكبيرة التي تعني، بين ما تعنيه، أن الرهان على النظام السوري ليس في محلّه. هناك تفاهمات على خطوط عريضة تتبلور يوما بعد يوم في ظلّ خمسة احتلالات هي الإسرائيلي والأميركي والروسي والتركي والإيراني. ما هو مؤسف بالفعل ألّا تكون في لبنان قيادة سياسية تستطيع استيعاب تعقيدات الوضع السوري بعيدا عن "سياسة الضيعة والناطور" أي السياسات المحلّية الصغيرة. ما هو مؤسف أكثر أن النزوح السوري لن يتوقّف غداً وأن الحرب السورية دخلت مرحلة جديدة، بل صارت أكثر تعقيداً مما كانت عليه في الماضي القريب، أي منذ اندلاع شرارة الثورة في آذار من العام 2011!

قد يهمك أيضــــــــــًا :

سقوط آخر لبريطانيا

عندما يهبّ "حزب الله" لإنقاذ عهده

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصورة الكبيرة في سورية الصورة الكبيرة في سورية



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 17:46 2015 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار سيارة كيا سيراتو 2016 في المغرب

GMT 04:55 2016 السبت ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تجدد الخلاف بين الهنديتين ديبيكا بادكون وكاترينا كيف

GMT 04:52 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق تنظيف الباركيه والعناية به

GMT 05:03 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

أنطونيو بانديراس يُقدِّم عطرًا جديدًا جذّابًا ومنعشًا

GMT 12:12 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

منة حسين فهمي ترفع شعار "الكلاب يدخلون الجنة"

GMT 15:38 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار سيارة اودي تي تي 2016 في المغرب

GMT 13:25 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الأمن توقف سبعة سلفيين في مدينتي طنجة وفاس

GMT 09:13 2018 الأحد ,10 حزيران / يونيو

"فوكسهول" تطرح سلسلة سيارات FB-Victor رائعة منذ 1961

GMT 15:20 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

كن انت هذا العام

GMT 14:08 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

ريال مدريد يضع شرطًا لضم توريس جوهرة فالنسيا الشاب

GMT 01:19 2016 الإثنين ,08 آب / أغسطس

هل النعناع يعالج الحموضة؟
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca