مشروع جديد لقتل السياسة

الدار البيضاء اليوم  -

مشروع جديد لقتل السياسة

بقلم : توفيق بو عشرين

في ثنايا الخطاب الملكي لعيد العرش، الذي هاجم الأحزاب السياسية وانتقد سلوكها دون الغوص في الأسباب، ودون اقتراح الحلول، هناك دعوة ضمنية إلى الرجوع إلى المقاربة القديمة التي كانت ترفع شعار التنمية بلا ديمقراطية، والاقتصاد بلا سياسة، والتقنوقراط بلا حزبيين، وفي النهاية، الأمن هو الضامن للاستقرار، لا ديناميات الإصلاحات السياسية، ونضج المؤسسات التمثيلية، وتطور الممارسات السياسية التي توسع المشاركة وتحرر المجتمع من السلطوية.

في الخطاب الأخير للعرش، نوه الملك فقط بأربعة قطاعات يشرف عليها أربعة أشخاص، الفلاحة (عزيز أخنوش)، الصناعة (مولاي حفيظ العلمي)، الطاقات المتجددة (مصطفى الباكوري)، والأمن والاستخبارات (عبد اللطيف الحموشي). هذه هي القطاعات التي حصلت على نقط مشجعة من قبل الجالس على العرش، والباقي كله رسب في الامتحان، بل جرى جمع قنافذ الأحزاب كلها تقريبا في سلة واحدة، جميلها وقبيحها، برها وفاجرها، وكتابة عبارة: «ليس فيها أملس».

مقاربة «التنمية بلا ديمقراطية» كانت سياسة عمومية امتدت من 2002 إلى 2011، أي من تاريخ التخلي عن الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في الوزارة الأولى رغم أن حزبه جاء في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، واللجوء إلى التقنوقراطي إدريس جطو، الذي اختصر مؤسسة الوزارة الأولى في الإشراف على وزارات التجهيز والنقل والوظيفة العمومية والفلاحة والمالية، والباقي تركه لمستشاري الملك الذين كانوا يسيرون الملفات السياسية والأمنية والدبلوماسية والاقتصادية دون رقابة ودون تفويض شعبي من أحد… امتدت هذه المقاربة إلى سنة 2011 عندما خرج الشباب المغربي في يوم واحد (20 فبراير) في 57 مدينة وعمالة وإقليما، يطالبون بالحرية والكرامة والشغل وإنهاء التحكم… عندها فقط انتبه مخططو العهد الجديد إلى أنهم ظلوا يحكمون المغرب بدستور الحسن الثاني، وأن أجندتهم خالية من أي إصلاحات سياسية أو دستورية أو مؤسساتية، مع العلم بأنه كانت هناك إشارات سبقت 2011، ولم ينتبهوا إلى خطورتها، والمقصود هنا موجة العزوف الكبيرة التي ظهرت في انتخابات 2007، حيث قاطع أكثر من 80% من الشعب صناديق الاقتراع، وعوض أن تستخلص السلطة الدروس الصحيحة من هذه النكبة الديمقراطية، عمدت إلى خلق حزب إداري، وعهدت إليه بالرفع من نسبة المشاركة واستقطاب الشباب، ومحاربة الإسلاميين الذين يشعلون أعواد الثقاب في القاع الاجتماعي المتوتر… لكن هذا الجواب الخاطئ عن الأزمة جعل من البام عبئا على الدولة. وعوض أن يقلم الجرار أظافر الإسلاميين، زاد من شعبيتهم، وصورهم على أنهم مستهدفون ومظلومون ورؤوسهم مطلوبة.

في 2011، انتقمت السياسة من التقنوقراط، وانتقم الشارع من سياسات قتله، وخرج الناس بالآلاف يطالبون بديمقراطية حقيقية وجوهرية وإصلاحات هيكلية، عندها فقط انتبه القصر إلى الفراغ الذي تركه في الحقل السياسي والحزبي حتى أخذ الشارع زمام المبادرة، فعمد إلى وضع دستور جديد يعيد الاعتبار إلى الأحزاب وإلى صناديق الاقتراع وإلى البرلمان وإلى مؤسسات الحكامة وإلى الإرادة الشعبية… اشتغلت البلاد لمدة خمس سنوات بنصف دستور، وبحكومة سياسية، ورئيس حكومة بزعامة شعبية، وبحزب له قاعدة اجتماعية ونخب محافظة نظيفة، حتى وإن كانت لا تتوفر على مشروع مجتمعي، ولا على ثقافة ديمقراطية متجذرة تسمح لها بقيادة إصلاحات عميقة في الدولة، ورغم ذلك لم تتحمل الدولة هذه الحكومة ولا حزبها الرئيس، ولا زعيمها الذي أبعد عن رئاسة الحكومة بطريقة فجة لم تنطلِ حيلتها على أحد. «البلوكاج» كان مخططا له منذ البداية، وعبد الإله بنكيران حكم عليه بالفشل قبل أن يبدأ مشاورات تشكيل الحكومة، وبقية القصة معروفة.

الآن يبدو أننا، وبعد دورة استغرقت ست سنوات، راجعون إلى المقاربة الأولى المبنية على قاعدة للحكم تعتمد على الثلاثي: رجال الأعمال والأمن والتقنوقراط، وفي الواجهة حكومة ضعيفة لا تحكم، بل تغطي على من يحكم، وتتحمل تبعات الفشل، فيما النجاح يذهب إلى الثلاثي القوي الذي يستأثر بالقرار… ماركس كان يقول: «إن التاريخ لا يعيد نفسه، وإذا فعل ففي المرة الأولى تكون دراما، وفي الثانية تكون ملهاة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشروع جديد لقتل السياسة مشروع جديد لقتل السياسة



GMT 04:54 2017 الجمعة ,11 آب / أغسطس

ماذا بعد إقالة العماري؟

GMT 04:48 2017 الجمعة ,11 آب / أغسطس

سورية كما عرفتها وأحببتها

GMT 04:39 2017 الجمعة ,11 آب / أغسطس

الناصريون وجمال عبدالناصر

GMT 04:30 2017 الجمعة ,04 آب / أغسطس

مقتدى الصدر في السعودية.. يظل حدثا

GMT 13:35 2017 الأحد ,26 آذار/ مارس

من سرق الرجاء البيضاوي

GMT 00:24 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

منتخب المغرب لكرة اليد يخوض أول تدريب في الغابون

GMT 02:12 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

حمدالله يغيب لمدة أسبوعين بسبب الإصابة

GMT 03:19 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم الحكومي في بريطانيا يحقق تقدمًا ملحوظًا لطلابه

GMT 11:40 2016 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي فائدة النوم المشترك مع الطفل

GMT 01:26 2016 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الرجل لا يرى عيوب جسم زوجته أثناء العلاقة الحميمية

GMT 04:54 2016 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

منزل مهجور معروض للبيع بسعر يتجاوز نصف مليون دولار

GMT 23:14 2016 الخميس ,28 تموز / يوليو

علاج قشرة الشعر نهائيا بأفضل الطرق

GMT 16:36 2015 الجمعة ,19 حزيران / يونيو

خطوبة مصطفى عاطف بحضور الشيخ أسامة الأزهري

GMT 16:23 2018 الثلاثاء ,10 تموز / يوليو

رونالدو يودع جماهير ريال مدريد برسالة مؤثرة

GMT 12:36 2018 الإثنين ,04 حزيران / يونيو

تعرف على أسرار حياة النعام وكيف يعبر عن نفسه
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca