آخر تحديث GMT 18:37:04
الدار البيضاء اليوم  -

حالة خاصة في تاريخ الحرم في طريقها للاختفاء

كتاب "الأغوات" ذاكرة بصرية لجماليات المسجد النبوي القديم

الدار البيضاء اليوم  -

الدار البيضاء اليوم  - كتاب

المسجد النبوي الشريف
الرياض - الدار البيضاء اليوم

في كتاب من القطع الكبير باللون الأخضر نفتح صفحات عطرة من تاريخ المسجد النبوي القديم، يسجل بالصور جوانبه وأركاناً من زخارفه، وبلاطاته المزخرفة وقبابه التي تحيط بها كتابات من الخط العربي المذهبة. يعرج على المصلين يصورهم في أحوالهم المختلفة، يمر من خلفهم بينما يقرر صبي الالتفات للمصور بفضول. نراهم وهم يدخلون المسجد وكأنهم موج من الأشكال المغيمة وكأنهم موجة بحر تندفع لهدفها. صفحة وراء صفحة تأتينا الصور لتفتح أمامنا أبواباً ونوافذ داخل جنبات المسجد القديم، ندلف عبر باب النساء ونقف أمام القبلة والمكبرية، حيث يقف المؤذن في انتظار إطلاق ندائه للمصلين. يحمل الكتاب اسم «الأغوات» وبالإنجليزية يترجم لـ«الحراس»، ويبدأ بالفعل بصور لأحدهم وهو يرتدي زيه التقليدي، ويبدو الكتاب كشخص استأذن من حراس المسجد للدخول يسجل وجودهم وطقوس ملبسهم، ثم يتركهم جالسين على منصتهم الخاصة ويدور حول المكان الذي يعرفونه كباطن أيديهم.

الكتاب للمصور السعودي عادل القريشي الذي سجل صوراً لآخر جيل من الأغوات في الحرم المدني. الذي أكد أن كتابه «الأغوات» ليس عنهم، بل عن عالمهم. يقول «الأغوات ليسوا هم موضوع الكتاب الأساسي، الموضوع هو المسجد القديم، أرى أنه موضوع ثري للكتب وللتصوير ولا يعبر عنه كتاب واحد... هو رحلة داخل عالمهم الذي عاشوا فيه سنوات عمرهم». يفتتح الكتاب كما يختتم بصور لأحدهم جالساً بكامل زيه الأنيق ناظراً إلى الكاميرا بثبات، تحمل نظرته الكثير، لكن لن نستطيع الوصول لعمقها؛ فالأغوات عالم مغلف بغلالة من الصمت والرفعة. ويبدو أن الأغوات هم حراس الكتاب تماماً كما هم حراس الحجرة النبوية.

القريشي عرض صور الأغوات في عام 2014 ضمن معرض «حروف وإضاءات» الذي أقيم في المدينة المنورة، وكانت الصور جزءاً من تكليف أمير المدينة المنورة الأمير فيصل بن سلمان، لتوثيق وجودهم؛ فهم حالة خاصة في تاريخ الحرم في طريقها للاختفاء مع كبر أعمارهم ووفاة الكثيرين منهم. عادل القريشي تقبّل تكليف الأمير فيصل بن سلمان، له وغزل ألبوماً مصوراً للأغوات بحب وشغف ظهر جلياً في كل صورة من تلك الصور الضخمة التي شغلت أذهان وأبصار زوار المعرض حينذاك، وعرضت لاحقاً في أكثر من معرض، ودخل عدد منها في مجموعة المتحف البريطاني.

يجب القول بأن الأغوات في طريقهم للاندثار، أسأله عن عددهم الآن «آخر مرة تحدثنا عن الأغوات كان عددهم في تناقص»، يجيبني «كان عددهم عشرة عندما صورتهم لأول مرة وتبقى الآن خمسة فقط». يشير إلى أنهم توقفوا عن مهامهم بسبب كبر سنهم وحالتهم الصحية «عدد قليل جداً يحضر للمسجد للصلاة فقط».أسأله إن كانت الصور المخصصة للأغوات في الكتاب هي حصيلة جولة التصوير الأولى، ويشرح لي «قمت بجولتي تصوير وعرضت نتاج الجولة الأولى في معرض (حروف وإضاءات) في المدينة، وبعدها صورت مرة واحدة داخل حجرة الأغوات في الحرم». يشير إلى أن الصور في الكتاب استغرقت سبع سنوات، ويعلق «أعتقد أن العمل ناضج لهذا السبب». ويثبت الكتاب ذلك؛ فالصور التي تأخذ الأبصار والأنفاس شاملة لعالم الأغوات، كل تفاصيل المسجد القديم أمامنا نستطيع تخيل عملهم هنا ونشمّ رائحة البخور وماء الورد الذي كانوا يعطرون به المسجد والحجرة النبوية ونسمع صوت المفاتيح التي يعلقها أحدهم حول رقبته.

ويضيف، أن مفاتيح الحجرة هو الشيء الوحيد المتبقي معهم. يأخذني ذلك لصور مفتاح الحجرة النبوية وأعلق بأنها صور لها سحر خاص، ويرد بأن المفاتيح تظهر للمرة الأولى للعامة من خلال الصور. فحسب قواعد عمل الأغوات والتي يشير لها القريشي في مقدمة الكتاب، فهناك تنبيه بألا يرى المفتاح أحد غير حامله، كيف تمكن إذن من إقناع حامل المفتاح بالتصوير؟»، يجيب «قضيت ثلاث سنوات أحاول إقناعهم بالسماح لي بالتصوير، وفي النهاية وافقوا على شرط أخذ إذن رئاسة الحرمين الشريفين وهو ما حدث».

خزف ملون ولوحة زيتية

مع كل صورة في الكتاب نرى لمحات من الزخارف والفن تزين أرجاء المسجد، فهنا لوحات طويلة من خزف إزنيك الشهير الملون، وفي صورة أخرى نرنو إلى قبة تتناثر داخلها النوافذ الزجاجية الملونة البديعة، وفي أخرى نرى تفاصيل الرخام أو الثريات العتيقة التي تحمل آيات من القرآن. أسأله «كم أخذ منك وقتاً للعثور على كل هذه التفاصيل؟»، يقول «الموضوع أخذ مني 7 سنوات، لكن ليست متصلة. استطعت أن أوثق تغييرات في الحرم، فالمسجد كائن حي يتغير دائماً، فعلى سبيل المثال أقوم بالتقاط صورة لجانب معين لأجد بعدها بفترة أن يد التجديد مرّت عليه، وبالتالي تصبح صورتي بمثابة تسجيل وتوثيق. على سبيل المثال، في حائط القبلة تمت إزالة مجموعة من الأرفف الخشبية التي كانت تستخدم لحفظ المصاحف وعثر خلفها على لوحات بديعة من الخزف، استطعت تصويرها قبل ترميمها، ولكن من خلف غطاء من البلاستيك».

أسأله عن النوافذ الزجاجية الملونة في إحدى القباب، هل توجد معلومات عنها وتاريخها؟، يقول «لا أعرف، ولكن من المؤكد أن هناك معلومات عند رئاسة الحرمين الشريفين. وللعلم النوافذ الزجاجية الملونة ليست موجودة بكثرة في المسجد، فقط في منطقتين». أشير إلى أن هناك جوانب في زخارف المسجد تثير الفضول لمعرفة تاريخها، يقول «أتفق معكِ، هي ثروة حقيقية، أرى أن المسجد القديم تحفة فنية متكاملة فكل المجهودات التي تعاقبت على ترميم وتزيين المسجد كانت تضيف لمسات جمالية مختلفة تتسق سوياً بشكل جميل».

تلفتني في إحدى الصور لوحة زيتية معلقة على حائط من الرخام الملون، تصور الحرم المكي قديماً، أسأله عن اللوحة وتاريخها، ويقول إنه لا يعرف تاريخها «لست أكاديمياً وكتابي ليس كذلك». ويمضي قائلاً «اللوحة استوقفتني كثيراً، لأني وجدت أن ديكورات وزينة المسجد النبوي مبنية على شيئين، إما آيات قرآنية أو زخارف متكررة، مثلاً سورة الكهف مكتوبة بأكملها في القبب، وفي الخزفيات نقشات متكررة لأفرع نباتات وزهور وتتكرر. ومع ذلك، فهذه اللوحة المرسومة الوحيدة في المكان، وهذا ما أثار تساؤلي، إلى أن انتبهت (وهذا رأيي الشخصي) أن موقع اللوحة في ظهر الحجرة النبوية وأعتقد أن وجود صورة للكعبة مقصود حتى لا يفتن المصلي بالحجرة وأن عليه تذكر أنه يصلي لله عز وجل».

تظل اللوحة لغزاً حتى اللحظة ونتناقش حول كونها من القماش أم لا، وعن الرسم نفسه والذي يبدو من المنظور الذي نفذ به على أنه قديم جدا.ًإلى جانب صور الأغوات الشخصية نرى في الكتاب صوراً لمصلين من مختلف أنحاء العالم، يختلفون في أشكالهم وأعمالهم وفي ملابسهم، ينظرون للكاميرا مباشرة ويسجلون حضورهم الخاص، يقول لنا المصور إنه حرص على استئذان كل شخص صوره، ويضيف «ما جذبني لمشروع الأغوات هو أنني سأصور بورتريهات، فعندي شغف وعشق لهذا النوع من التصوير».

وقد يهمك ايضا:

السعودية تتخذ إجراء عاجلًا لحماية زوار المسجد النبوي

رئاسة المسجد النبوي تنفي ما تم تداوله من أنباء عن فتح المسجد والصلاة في الحرم القديم

casablancatoday
casablancatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب الأغوات ذاكرة بصرية لجماليات المسجد النبوي القديم كتاب الأغوات ذاكرة بصرية لجماليات المسجد النبوي القديم



GMT 08:05 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أزياء أسبوع ميلانو لموضة الرجال جريئة ومسيطرة

GMT 06:29 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

منع أقدم سجناء "غوانتانامو" من قراءة كتاب دون أسباب

GMT 12:15 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

"ثقافة الإسكندرية" تعلن عن إصدار 4 كتب جديدة

GMT 09:23 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

النمر التسماني يظهر مجددًا بعد الاعتقاد بانقراضه

GMT 10:40 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

الزخرفة تميز "دوتشي آند غابانا" في صيف 2018

GMT 11:44 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

وزير الفلاحة والصيد البحري يصل إلى مدينة جرادة

GMT 05:38 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

كتاب جديد يشرح خبايا السيرة الذاتية لبيريغيت ماكرون

GMT 05:51 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

حمادة هلال يطرح كليب "حلم السنين" في عيد الحب المقبل

GMT 07:18 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

نظام تعليمي إنجليزي متطور يمنح الشهادة الجامعية في عامين

GMT 16:56 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

مصطفى أوراش يوجه أسئلة محرجة لرئيس طانطان لكرة السلة

GMT 10:43 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية مالم تعد من أجمل الأماكن لجمع العائلات وقضاء العطلات

GMT 01:00 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص يحتجز نجله داخل غرفة في مكناس لمدة 3 سنوات

GMT 09:59 2017 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تُعلن أن الغضب المكبوت يُسبّب السرطان

GMT 08:42 2015 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

تنافس تسع فنادق عالمية على جائزة أفضل تصميم
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca